جريدة تاتوو
»
الأخبار
»
اقسام الجريدة
»
مراجعات
تحديقة سالو
بواسطة:
luay
بتاريخ : الأحد 15-03-2020 06:11 مساء
محمود عوّاد
يعيشُ الإنسانُ على أمل تنقيح مخطوطة اللّذة ، لكنه يموت قبل أن يُنجز ذلك ،مانحًا إياها فرصة المراجعة الدائمة
تميمةُ الجحيم
الجِنْسُ عَمَليّةُ اخْتِطَافٍ مُبَارَكَةٍ مِن قِبَلِ المُقَدّسِ، تَتـَضاعَفُ فِيهَا طَاقَةُ الدَّمِ، وَيُصبِحُ سَفْكُهُ مُمَارسَةً شِعْــريّةٍ تَحدُثُ تَحتَ عبَاءَةِ اللّذَةِ المُبرِّرةِ لِوَحشِيّةِ الهَدَفِ. أمَّا سُقُوطُ السَائلِ فَي الرّحِمِ، إشَارةٌ إلَى أَنَّ العَمَليّةَ أَخَذتْ مِسَارَ القَتلِ، أمَّا حُصَولُ الحَملِ فهُوَ العَلامَةُ الوَاضِحةُ علَى غِيَابِ أَحدِ الطَرَفيْنِ، هَذَا يَعْنِي أنَّ الرَجُلَ حِينَ يُسْقِطُ ضَوْءَهُ المُرْتَعِشَ فَي فَانُوسِ شرَيِكَتِهِ يَمُوتُ بِالحَالِ، وِينْـسَحِبُ إلَى دَاخِلِهَا علَى هِيْأةِ وغفٍ يُصَارِعُ مِن أجْلِ تَحْديدِ مَصِيرِهِ، ثَمّةَ رِجَالٌ يُولَدُونَ مِن جَدِيدٍ ذَلِكَ لِأَنَّ القَبرَ لَمْ يَنَلْ إعْجَابَهُم؛ فـَيأتُـونَ إلَى الحَيَاةِ بَحثًا عَن قُبورٍ تَليقُ بِهم، أمَّا الذِينَ يَموتُونَ فِي دَاخِلِ البُطُـونِ، أُولَئِكَ هُمْ عَلى قَناعَةٍ تَامةٍ، مَثلاً أَنَا وُلِدتُ لِأَنِّي غَيرُ مُقْتنِعٍ بِالقَبرِ الذِي سيَضُمُنِي، بَيْنَمَا مَاتَتْ أُختِي لِأَنهَا زَهَدتْ حَتىَ فِي اختِيَارِهَا للْقَبرِ. فِي مرّاتٍ كَثيرَةٍ يَأتِي ذِكْرُ الجِنْسِ بِمَنْأَىَ عَن التَّدْقِيقِ فِي كُنهِهِ المُسْتـذْئِبِ إزَاءَ مَا تُحَاِوِلُ المَشاعِرُ إيضَاحِهِ، وَأَنَّ التَغميضَ المُمَارسَ ضِدَهُ يَجعَلُهُ يَفلِتُ مِن دَائرَةِ الشُبهَةِ ليقعَ فِي المُحرّمِ ثَانيةً، هَذا التَشكُّلُ السِّريِّ للعَمليَّةِ الجِنسيّةِ هو تَجَلٍ ومُكَاشَفةٌ صَريحَة عَلى تَوافُرِ هَوْسِ القَتلِ المُنَفَّذِ بحِنكَةٍ رَبَّانيةٍ، تَفُوقُ حَتّى تَصوُّراتِ المُشرِفِ علَى تَنفِيذِ تِلكَ الجَريمَةِ .
التَمتُعُ بالجُثَثِ
اِلتِصَاقُ الذُبَابِ في وَجهِ القَاتِلِ دَليلٌ عَلى أَنَّ الضَحية لا يَزالُ يَطمَحُ فِي العـَودَةِ إلَى صِغَارِهِ، فَتِلكَ الذُبَابةُ هِي رُوحُهُ المُعلَّقَةُ بِمشَابِكِ الـَرائحِةِ المُنبعِثةِ مِـــــن أغْطــيَةِ النَومِ، هـَــــــذا هُو عَينُهُ مَا كَانَ يحلم بِهِ الموتُ في الليلَةِ التِي كَان فِيهَا يَطُوفُ على القَريَةِ، هذِهِ التَخــــيُّلاتُ المُرّة تَعكِــسُ حَالاتِ هـَوسِ الوَحشِ وهُو يَهــــبِطُ بَعدَ منُتصفِ اللَيلِ، بِوجْــهٍ كَأنَّهُ سَمكَةٍ مَحَنـَّطَةٍ، يَهــبِطُ ليَخُطَّ بِمخَالَبهِ حَولَ أسمْاَءِ الضَحـــــــــــــــايَا دَوائرَ رَمليَّةَ، يَنــفُخُ عَليهَا بِشفَّةٍ مثلَومَةٍ، وهُو يُردّدُ : للــرِيحِ حَقًا في التِهَامَ الطَبيعَةِ، ولِأنِّي أحْمِلُ في دَاخِلي رِياحِ القَداسَةِ، فيَــــــجِبُ عَلى الجُثـــــثِ أنْ تَستقْبِلَ شهْوَتِي، وتَحْتفِي بِها مِثلَما يَعـودُ المُلوكُ مِن الحِجِ، بعضُ المُـِــــــرات تَـُـبَلِعُ الضَحيّةَ لسَانَها قبلَ الـدُخولِ في مَــرحَلةِ إحَالةِ الغـَـرغَرةِ إلىَ التَقاعُدِ، والهَدفُ مِن وَراءِ ذَلكَ أنّها تُحاوِلُ الابـْــتِعادَ عـَــــــــمَّا يُضمرُهُ الوَحْشُ مِن غَريزةٍ، لأَنَّ امْتلاكَهَا اللِسانَ حَتمًا سيُؤدَي إلَى بَثِ الغِوايَةِ في دَمهِ، مَا يَجــــــــعلُهَ يقْترِبَ أَكثَرَ من الضَحِيةِ لاجْتِذابِ سِرِّ دَمِهَا الحَامِلِ لمَفاتِيحِ المُتعَةِ، فِي ذَلكَ الوَقتِ يَحْضـــرُ المُفْـتِي السَاديّ الذِي هـُــــــــو المَــوتُ بِكامِلِ هَيبَتِهِ، ليُـصـدِرَ فَتْـَـواهُ ويُشيـــِّـعُهَا في مُدنِ الغَرائَزِ المُسْتملِحَةِ بتَقطِيعِ الجَسدِ، عِنــــــــدِ سمَاعِهَا الخَبرَ تَحْضــــــــرُ اللَذّةُ لتَقرَأَ صِيغةَ عَقْدِ القِرانِ وهِي تُقــــدِّدُ اللَحمَ، عِندمَا يُوضَعُ اللَحمُ في المَفـرَمَةِ، يَعـــــــودُ الإحْسَاسُ للجُثثِ مِن جَديدٍ؛ فتَنهَضُ كُلُّ وَاحِــدةٍ مِنهُنَ، مُلَملِمةٍ نِثارَهَا، وَهـِي تَرمُـقُ الذَبَّاحَ تقُـولُ: عَلى "سُنّتِكَ مَتعتُكَ نَفْسِي"، هنَا يَدخُلُ كُلُّ شَيءٍ فِي جَوٍّ مِن التَنمُّلِ، فَتغِيــبُ الأنسِجَةِ الدَمَويَّةِ عَن الوَعْي، حَيثُ الدمُ يُعلِنُ خُضوعَهُ للتَلبُّسِ بالآخَرِ، وامْتِصاصَ سِريّةِ القَتلِ، وهَذا يُشــيرَ إلَى أنَّ الـدَمَ قادرٌ علَـــى تبديلِ جِنسِهِ أوْ الاعْتِـــداءِ عَلـيهِ مِن خِلالِ مَصِّ أُنوثَةِ تِأمُلاتِ الفِعلِ ولَيسَ الفَعلُ نَفسُهُ، السُؤالُ الجَذرُ الذي يَجبُ إثارَتُهُ هوَ: هَلْ القَــــتلُ هُــــو تَأمُـــلٌ جِنسيّ؟ أمْ نَافِذَةٌ يَفـتحُهَا المَوتُ ليَـــتواصَلَ عَبْرهَا معَ الحَـياةِ؟ بِهَذهِ التَخيُّلاتِ انْقَضَتْ سَبعَةُ سَنواتٍ مِن عُمْـــرِهِ بَدّدهَا فِي الإنْصاتِ لِشبَحِهَا وَهـِـــي مُلقَاةٌ فِي ثَلاجَةِ المَوتَى، وهُو يَرمُقُ جُثتَهَا العَاريةَ بِألوانِ ثِيابِ العُرسِ، ثَمّةَ ذُبَابةٌ تَطيرُ مِن جُثةٍ مَرصُــــوفَةٍ إلَى جَانِبهَا، فيَنشَغِلُ بمُطاردَتِهَا بِعيْنيْهِ، لكنْ سُرعانَ ما أَحسّتْ الذُبَابَةُ بأنَّ عَـيْنَيهِ تُلاحِقَانِهَا، جرَّأه من أنْ تتَسلّلَ من تَحتِ قَميصِهِ عَبْرَ فَتْحَةِ الرَقبَةِ غَيـرِ المُحكَمَةِ، فأَحَسَّ بِهَا تتَعثّرُ بشُعيْراتِ صَدرِهِ، ذَلكَ المَوْضِعُ الأَقرَب بمَذاقِهِ لِلسانِهَا، فـجْأةً يـَصطَدِمُ غُرابُ بـزُجَاجِ نَافِذةِ شقّـتِهِ المُطلَّةِ علِى نَهرِ دِجلَةِ، الرّبْكةُ التِي أَحدَثَهَا الحُـضورُ المُريبُ والمُفاجِئ للغُـرابِ تُحِيلُـُه إلَى التَذاكُرِ واستردادِ أحْداثٍ شِهدَهَا حِينَ كَانتْ الطَائفـيّةُ هي ذِئبٌ حظَرَ التِجْوالَ في شَـــوارِعِ بَغداد، كانَ يُراقِبُ النهرَ من نَافِـذَتِهِ كأنَّهُ يسْتعيدُ ذِكرياتِ نَافِذةِ هيتشكوك الخَلفيّةِ، تِلكَ التي بِواسطَـِـَـتها تِمكّنَ مِن نَبْـشِ هَــواجِسِ مَـــجَاري الإنسَانيّةِ، وفِي الهَوسِ ذاتِهِ يِتآكلُهَ الجُنـــونُ، وهُو يَتــرصَّدُ سَمكَ دِجلةِ كَيــفَ يَتــمتّعُ بالجُثــثِ المُلقاةِ فيِه، كَانَ يَجـمَعُ ما تُخزّنُهُ عُيــونُهَ طِـوالَ اليَــومِ، قَــبلَ النـومِ يَلجُ حَجــــرةَ الذِكــــريَاتِ ويُــلقِي بالشَريطِ فِي علبَةٍ ليْــَس فيها غَيرُ أفْعَى مُحـنَّطَةٍ، يضعُ قليلاً مـــن السَوائلِ الحافِظَةِ، مَا إنْ تُحرِّكُ الأفعَى ذَيلَهَا يتَأكّدْ بأنَّ الصورَ جَاهِزةٌ، وبَينمَا هُــو يَستخرِجُ الصُورَ من العُلبَةِ، يُصدَمُ لرُؤيَةِ المَشاهِـِـد الإباحِيّةِ للجُـثثِ، هَــناكَ يتسَاءَلُ: هَل القتلُ فِعلٌ برونوي مَدفوعٌ بِفُــــــضولِ الدَمِ على ضَرورَةِ إثَارةِ فَوضَـىً فِـــــــي رأسِ الكَونِ، وِفقَ هَذا التّصوُّرِ المُربِكِ يَـجُوزُ لنَا اِعتِبَارُ الجِنــسَ مَعمَلاً صُوفيًّا، مُهمَتُهُ فُلْترَةُ الجَسدِ بِحرائقِ أسْرارِ الدَمِ، بِـــــــوساطَةِ حضَورِ آلةِ القَتلِ والتِي هي الحُب المُمـــــيتُ. هذا مَا استَخلَصَهُ مِن الـصُورِ وهُو يِرى الأسْماكَ كَيفَ تَتمتَّعُ بالجُثـثِ تحتَ ذَريعَةِ تَذوُّقِ شبح القَتلةِ ومَعرفةِ صنْفِهِ.
*من كتاب تنكه
مرات القراءة: 632 - التعليقات: 0
المشاركة السابقة
:
المشاركة التالية
اختر قسم للانتقال
- - - - - - - - - - - - - - - - - -
1)->الاتصال بنا
----------------------------
2)->من نحن
----------------------------
3)->الاخبار
----------------------------
4)->الاعداد السابقة
----------------------------
5)->اقسام الجريدة
5 ) » 1 ) انباء
5 ) » 2 ) متابعات
5 ) » 3 ) مراجعات
5 ) » 4 ) تقييم
5 ) » 5 ) نصوص
5 ) » 6 ) انثويات
5 ) » 7 ) ثقافات
5 ) » 8 ) تابلو
5 ) » 9 ) حوار
5 ) » 10 ) قضايا
5 ) » 11 ) جماليات
5 ) » 12 ) زمان ومكان
5 ) » 13 ) الافتتاحية
5 ) » 14 ) تحقيق
5 ) » 15 ) اعمدة
5 ) » 15 ) » 1 ) استدراك
5 ) » 15 ) » 2 ) ملاحظات